يشيع في أوساط المشايخ في طول البلاد وعرضها أنه لا يجوز للمسلم أن يُلقى السلام على غير المسلمين، كما لا يصحّ له أن يرد السلام.. فما صحة هذا؟ وهل أمر الله تعالى بذلك؟ ومن أين أتوْا بهذه المفاهيم؟
أما نحن(الجماعة الاسلامية الاحمدية) فنرى أن هذا مناقض لبدهيات هذا الدين، الذي يوجب برّ المسالمين والإحسان إليهم مهما كان دينهم. لذا كان لا بد من مناقشة أدلتنا وأدلتهم وبسط الأمر وتوضيحه.
أدلة جواز إلقاء السلام على غير المسلمين
الدليل الأول: عدم وجود دليل يفرق بين المسلمين وغير المسلمين في وجوب إلقاء السلام عليهم.. فهناك العديد من الأحاديث التي تفيد المساواة، كالذي أخرجه البخاري في صحيحه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِي اللَّه عَنْهمَا أَنَّ رَجُلا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الإِسْلامِ خَيْرٌ؟ قَالَ: تُطْعِمُ الطَّعَامَ وَتَقْرَأُ السَّلامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ(صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب إطعام الطعام من الإسلام)
أما ما اعتمد عليه القائلون بحرمة إلقاء السلام على أهل الكتاب فهو حديث منـزوع السياق، وقد أخرجه مسلم في صحيحه عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لا تَبْدَءُوا الْيَهُودَ وَلا النَّصَارَى بِالسَّلامِ فَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي طَرِيقٍ فَاضْطَرُّوهُ إِلَى أَضْيَقِهِ(صحيح مسلم، كتاب السلام، باب النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام وكيف يرد).
لكن هذا الحديث- الذي لم تظهر مناسبة قوله في هذه الرواية هنا- قد رُوي مع مناسبته التي قيل فيها في روايات أخرى، كتلك التي أخرجها ابن ماجة في سننه عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُهَنِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي رَاكِبٌ غَدًا إِلَى الْيَهُودِ فَلَا تَبْدَءُوهُمْ بِالسَّلَامِ فَإِذَا سَلَّمُوا عَلَيْكُمْ فَقُولُوا وَعَلَيْكُمْ (ابن ماجة، كتاب الأدب، بَاب رَدِّ السَّلَامِ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّة، 3689).
يتضح من هذه الرواية أن المانع من إلقاء السلام هو جو الحرب، ذلك أن إلقاء السلام يعني تعهدا بإعطاء الأمان للطرف الآخر، وحيث إن الرسول علية السلام قد ذهب لمحاربة هؤلاء المعتدين الناقضين العهود، فإن إلقاء السلام يعتبر خداعا وكذبا وغدرا في مثل هذه الحالة.
أي أن عدم جواز البدء بالسلام هنا مرده إلى وجوب الوفاء بالعهد ووجوب الصدق، وليس إلى أنهم كفرة يحرم إلقاء السلام عليهم.
الدليل الثاني: قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أهْلِها)(النور: 29)، وقوله تعالى (فَإِذا دَخَلْتُمْ بيوتاً فسلّموا على أنفُسِكم تحيةً مِنْ عنْدِ الله مُبارَكةً طيّبةً كَذلِكَ يبيّنُ اللهُ لكمُ الآياتِ لعلّكمْ تعْقِلون)(النور: 62)
كلمة (بيوت) هنا تشمل أي بيت ندخل إليه؛ سواء أكان بيت مسلم أم غير مسلم. فالآية نص عام في وجوب السلام عند دخول البيوت سواء على مسلمين أو غير مسلمين.
الدليل الثالث: قوله تعالى (وإذا سَمِعوا اللغْو أعْرَضوا عَنْهُ وَقالوا لنا أعْمالنا ولَكُمْ أعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغي الجاهِلين)(القصص: 56). فهذه الآية نص عام في كل مسلم يستمع من غير المسلمين إلى حديث لا يرضي الله، فليس واجبا عليه أن يترك المجلس من دون ردة فعل مادية فحسب، بل عليه أن يقول لهؤلاء: سلام عليكم.
الدليل الرابع: قوله تعالى ( الذين يَمْشون عَلى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذا خاطَبَهُمُ الجاهِلونَ قالوا سَلاماً)(الفرقان: 64). فإذا مدح الله تعالى من يقول سلاما عليكم للجاهلين إذا استفزوا المسلمين، فكيف الحال لو كان الكافر مسالما لا يريد الإضرار بالمسلمين؟!
الدليل الخامس: وجوب دعوة غير المسلمين إلى الإسلام بالحكمة والحسنى والموعظة الحسنة، وهذا لا يتأتى من دون إلقاء السلام عليهم ورد سلامهم بمثله أو بأحسن منه. قال تعالى(ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَة)(النحل: 126)
الدليل السادس: الآيات التي تأمرنا بأن نـبرَّ غير المسلمين ما داموا مسالمين غير محاربين، قال تعالى (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)(الممتحنة: 9)
ولا خلاف في أن عدم إلقاء السلام يتنافى مع البـرّ.
الدليل السابع: الأحاديث النبوية الآمرة بالإحسان لأهل الكتاب ومعاملتهم بالحسنى وعدم إيذائهم، ولا شك أن عدم إلقاء السلام أو عدم ردّه إيذاء، يقول الرسولe:(ألا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا أَوِ انْتَقَصَهُ أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)( سنن أبي داود، كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب في تعشير أهل الذمة)
الدليل الثامن: ما رواه ابن جرير عن ابن عباس أنه قال: من سلم عليك من خلق الله فردّ عليه، وإن كان مجوسيا، فإن الله يقول (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا)( الطبري، ابن جرير، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، دار الفكر، د.ط، 1415هـ1995م، ج4ص85).. وقد علَّق الشيخ مصطفى المراغي على قول ابن عباس بقوله: "وبعض المسلمين الآن يكره أن يحييهم غيرُهم بلفظ السلام، كما يكرهون ردّ السلام على غير المسلم، وكأنهم غفلوا عن أن الآداب الإسلامية إذا أُلِفَتْ عرفوا فضل الإسلام وجَذَبَهُم إليه". كما نقل النووي في شرح مسلم جواز ابتداءهم بالسلام عن ابن عباس وأبي أمامة وابن محيريز.
الدليل التاسع: معلوم من خلال أحاديث نبوية عديدة أن الرسول e كان يعودُ من يعرف من اليهود حين يمرضون، فماذا تراه كان يقول حين يدخل؟ هل يعصي الأمر الرباني (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أهْلِها) ، ويدخل البيت صامتًا؟
أدلة وجوب ردّ السلام على المسلمين وغير المسلمين
الدليل الأول: قوله تعالى (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا)(النساء: 87)
هذا نص عام لا يفرق بين مسلم وغير مسلم، حيث يوجب رد السلام على من ألقاه إلينا.
الدليل الثاني: ما ذكرناه سابقا من وجوب معاملة الكافرين المسالمين بالحسنى، ووجوب برهم ودعوتهم بالحكمة والموعظة الحسنة.. وهذا كله لا يتأتى من غير أن نرد السلام بمثله أو بأحسن منه.
الدليل الثالث: عدم وجود دليل يحرم ذلك. أما الحديث الذي استدلوا به فليس أكثر من تسرع في أخذ رواية منـزوعة السياق وترك روايات مع سياقها.. فالرواية منـزوعة السياق التي استدلوا بها هي التي أخرجها البخاري عن أَنَس بْن مَالِكٍ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَقُولُوا وَعَلَيْكُمْ (البخاري، كتاب الاستئذان، 5788). بينما أخرج البخاري نفسه الحديث مبيّن السياق عن عَائِشَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا قَالَتْ دَخَلَ رَهْطٌ مِنَ الْيَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكُمْ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَفَهِمْتُهَا، فَقُلْتُ: وَعَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ. قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَهْلا يَا عَائِشَةُ؛ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ قُلْتُ: وَعَلَيْكُمْ (البخاري، كتاب الأدب، باب الرفق في الأمر كله، 5565)
وأخرجه عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَنَّ يَهُودِيًّا مَرَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ السَّامُ عَلَيْكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْكَ. أَتَدْرُونَ مَا قَالَ؟ قَالَ: السَّامُ عَلَيْكُمْ. فَقَالُوا: أَلا نَقْتُلُهُ؟ فَقَالَ لا وَلَكِنْ إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَقُولُوا وَعَلَيْكُمْ. (أحمد، 12807) (البخاري، كتاب استتابة المرتدين، 6414)
وتتضح الصورة بعد نقل هذه الأحاديث مجتمعة.
النتيجة:
القائلون بوجوب إلقاء السلام على الجميع من غير تفريق لهم أدلة من القرآن الكريم ومن السنة النبوية.. أما القائلون بحرمة إلقاء السلام على غير المسلمين أو بحرمة ردّه، فلا يستدلون إلا بأحاديث منـزوعة من سياقها، حيث يفهمون منها ما لم يتحدث عنه رسول الله علية السلام قط.