شيخ القنديل عضو مميز
عدد المساهمات : 97 نقاط : 10496 السٌّمعَة : 14 تاريخ التسجيل : 17/12/2010
| موضوع: مُناظرةُ النَّفس السبت ديسمبر 18, 2010 6:53 pm | |
| مُناظرةُ النَّفس بسم الله الرحمن الرحيم ختم الإمام حجة الإسلام الغزالي رحمه الله تعالى كتابه النافع الماتع الشيق المفيد " الأربعين في أصول الدين " بخاتمة وسمها بـ ( مناظرة النَّفس ) قال فيها: اعلم أنّا قد نبهناك وشوَّقناك، فإن أعرضتَ عن الإصغاء أو أصغيت بظاهر قلبك، كما تصغي إلى الكلام الرسمي، فقد خِبتَ وخسرتَ، وما ظلمت إلا نفسك. {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً }الكهف57. وإن أصغيت إصغاء ذي فطنة وبصر حديد، وتفكرت تفكر من له قلب عتيد، وقد ألقى السمع وهو شهيد، فاخرج عن جميع ما يصدك عن سلوك الصراط المستقيم، وما يصد عنها إلا حب الدنيا والغفلة عن الله واليوم الآخر. واجتهد أن تفرغ قلبك كل يوم ساعة عقيب صلاة الصبح وذلك عند صفاء الذهن فتتفكر فى شأنك وتنظر فى مبدئك ومعادك وتحاسب نفسك وتقول لها : إني مسافر وتاجر، وربحي سعادة الأبد ولقاء الله تعالى السرمد، وخسراني شقاوة الأبد، والحجاب عن الله تعالى، ورأس مالي عمري، وكل نفس من الأنفاس كنز من الكنوز وجوهرة من الجواهر، إذ تجارته به سعادة الأبد، وأي كنز أعظم من هذا ؟ وإذا فني العمر انقطعت التجارة وحصل اليأس. وهذا اليوم يوم جديد، قد أمهلني الله تعالى فيه، ولو توفاني كنت أشتهي الرجوع إلى الدنيا لأعمل صالحا، فاحسبي يا نفسي أنك توفيت ورجعت إلى الدنيا يوما واحدا، واجتهدي فى هذا اليوم الواحد، وانظري لنفسك فإن لم تُمهَلي للغد فقد استوفيت ربح هذا اليوم ولم تتحسري، وإن أمهلت تستأنفي للغد مثل ذلك ولا تخدعي نفسك بتمني العفو، فان ذلك ظن قد يكذب ولا ينفع التحسر. ثم هبْ أنه قد عُفيَ عنك أليس قد فاتك ثواب المحسنين؟ وناهيك به حسرة وندامة! فاذا قالت نفسك: ماذا أعمل وكيف أجتهد؟ فتقول: اتركي ما يفارقك بالموت والزمي بُدَّك اللازم وهو الله تعالى واطلبي الأنس بذكره. فاذا قالت: فكيف أترك الدنيا؟ فقد استحكمت علائقها فى قلبي. فتقول : أقبلي على قطع علائقها من باطن القلب كما أعلمناك فى الأصول العشرة من المهلكات(كتاب الإحياء) . ففتشي عن أغلب علاقة من علائقها من حب مال أو جاه أو حسب أو عداوة أو شهوة بطن أو فرج أو غير ذلك من المهلكات فليس الا أن يتفكر فى عظم آفاتها واهلاكها إياك فتنبعث لمجاهدتها ومخالفة مقتضاها فقد تخلصت منها وأيدك الله بتوفيقه ومعونته . ثم تقول: فقدِّري أنك مريضة العمر مدة الحياة وقد أنبأك طبيب تظنين صدقه أن ملاذَّ الأطعمة تضرك وأن الأدوية البشعة تنفعك ألست تتصبرين بقوله على مرارة الدواء طمعا فى الشفاء ؟ ألست تتصبرين على الكد والتعب فى السفر الطويل طمعا فى الاستراحة فى المنزل وأنت مسافرة ومنزلك الآخرة؟ والمسافر لايستريح ويتحمل التعب والكد فان استراح انقطع في الطريق وهلك. وتقول يا نفس: ما الذى تطلبين من الدنيا؟ إن طلبت المال ووجدته وهيهات فتكون فى اليهود جماعة أغنى منك. وإن طلبت الجاه ونلت، وهيهات، فتكون فى أجلاف الأتراك وحمقى الأكراد من يستولي عليك ويكون جاهه أعظم من جاهك. فإن كنت لا تدركين آفة الدنيا وشدة عذابها فى الآخرة وبلائها، أفلا تترفعين عنها لخسة شركائها؟ أما تعلمين أنك لو أعرضت عن الدنيا وأقبلت على الآخرة كنت وحيدة الدهر وفريدة العصر لايوجد فى الأقاليم نظيرك؟ وإن طلبت الدنيا كان فى اليهود والحمقى من سبقك بها فأفٍّ لدنيا سبقك بها حمير ! فتفكري يا نفس وانظري لنفسك فلا ينظر لك أحد غيرك. وكذلك لا تزال تناظر نفسك حتى تطاوعك على سلوك الصراط المستقيم إلى الله تعالى . فهذه المناظرة أهم لك -إن كنت عاقلا -من مناظرة الحنفية والشافعية والمعتزلة وغيرهم. فلم تعاديهم وتجادلهم ولا يضرك خطؤهم ولا خطأ غيرهم، ولاهم يقبلون منك ولا أنت تقبل منهم الصواب، وإن صار أظهر من الشمس. وتترك أعدى عدوك بين جنبيك لا تنازعه ولا تناظره بل تساعده على ما يطالبك به من شهواته الباطلة الباطنة. فتستنبط بالفكر الدقيق الحيل لقضاء الشهوة! هل هذا إلا عين الانتكاس والانعكاس على قمة الرأس؟ فهل رأيت قط رجلا يشاهد تحت ثوبه حيات وعقارب أقبلت عليه لتهلكه فأخذ المروحة ليدفع الذباب عن وجه غيره؛ فهل يستحق من يفعل ذلك الا الخزي ؟ فاعلم أن هذا حالك فى اشتغالك بمناظرة غيرك وإعراضك عن مناظرة نفسك. وفى هذا المعرض ينكشف لك روح عملك يوم تبلى السرائر كما نبهتك على كيفية مكاشفات الآخرة بأسرار الأعمال وأرواحها. وما لم تناظر نفسك مدة طويلة لا تخليك لمناجاة ربك وذكره والإقبال عليه.ثم طريقك مع النفس -إذا خالفتك- أن تعاقبها بما يزجرها وتعلم أنها كالكلب لا يتأدب الا بالضرب. وإن أردت أن تتعلم طريق مناظرتها ومراقبتها ومحاسبتها ومعاقبتها فاطلبه من كتاب المحاسبة والمراقبة (في الإحياء) فإن هذا الكتاب لا يحتمله، والله تعالى يوفقنا وإياك بفضله وجوده وكرمه إلى طريق الحق وتأييده، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. انتهى بنصه من كتاب الأربعين في أصول الدين للإمام حجة الإسلام الغزالي ص291-294 دار القلم دمشق - بيروت الطبعة الأولى 1424هـ - 2003م والله الموفق | |
|